حكم سب الله او الاستهزاء بالله أو بآياته (عياذا بالله تعالى):
معنى السب ومفهومه الذي يكفُر به قائله:
قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول[546]:" السب الذي ذكرنا حكمه من المسلم هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح ونحوه وهو الذي دل عليه قوله تعالى {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } فهذا اعظم ما تفوه به الالسنة فاما ما كان سبا في الحقيقة والحكم لكن من الناس من يعتقده دينا ويراه صوابا وحقا ويظن ان ليس فيه انتقاص ولاتعييب فهذا نوع من الكفر حكم صاحبه اما حكم المرتد المظهر للردة او المنافق المبطن للنفاق والكلام في الكلام الذي يكفر به صاحبه او لايكفر وتفصيل الاعتقادات وما يوجب منها الكفر او البدعة فقط وما اختلف فيه من ذلك ليس هذا موضعه وانما الغرض ان لايدخل هذا في قسم السب الذي تكلمنا في استتابة صاحبه نفيا واثباتا والله اعلم"اهـ
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى[7/283]:
" هؤلاء الصنف الذين كفروا بعد اسلامهم غير الذين كفروا بعد إيمانهم فان هؤلاء حلفوا بالله ما قالوا وقد قالوا كلمة الكفر التى كفروا بها بعد اسلامهم وهموا بما لم ينالوا وهو يدل على أنهم سعوا فى ذلك فلم يصلوا الى مقصودهم فإنه لم يقل هموا بما لم يفعلوا لكن بما لم ينالوا فصدر منهم قول وفعل قال تعالى ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب فاعترفوا واعتذروا ولهذا قيل {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ان نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين} فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد ايمانه فدل على أنه كان عندهم ايمان ضعيف ففعلوا هذا المحرم الذى عرفوا أنه محرم ولكن لم يظنوه كفرا وكان كفرا كفروا به فانهم لم يعتقدوا جوازه "اهـ
قال رحمه الله في الصارم المسلول:[527-528]:
" قال عياض فهذا الباب كله مما عده العلماء سبا وتنقصا يجب قتل قائله لم يختلف في ذلك متقدمهم ومتاخرهم وان اختلفوا في حكم قتله وكذلك قال ابو حنيفة واصحابه فيمن تنقصه او برئ منه او كذبه انه مرتد وكذلك قال اصحاب الشافعي كل من تعرض لرسول الله بما فيه استهانة فهو كالسب الصريح فان الاستهانة بالنبي كفر وهل يتحتم فيه قتله او يسقط بالتوبة على الوجهين وقد نص الشافعي على هذا المعنى فقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف على ان التنقص به كفر مبيح للدم وهم في استتابته على ما تقدم من الخلاف ولا فرق في ذلك بين ان يقصد عيبه والازراء به او لا يقصد عيبه لكن المقصود شيء اخر حصل السب تبعا له او لا يقصد شيئا من ذلك بل يهزل ويمزح او يفعل غير ذلك فهذا كله يشترك في هذا الحكم اذا كان القول نفسه سبا فان الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن ان تبلغ ما بلغت يهوي بها في النار ابعد مما بين المشرق والمغرب ومن قال ما هو سب وتنقص له فقد اذى الله ورسوله وهو ماخوذ بما يؤذي به الناس من القول الذي هو في نفسه اذى وان لم يقصد اذاهم الم تسمع الى الذين قالوا{ انما كنا نخوض ونلعب }فقال الله تعالى {ابالله واياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم } وهذا مثل من يغضب فيذكر له حديث عن النبي او حكم من حكمه او يدعى لما سنه فيلعن ويقبح ونحو ذلك وقد قال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} فأقسم سبحانه بنفسه انهم لايؤمنون حتى يحكموه ثم لايجدون في نفوسهم حرجا من حكمه فمن شاجر غيره في أمره وحرج لذكر رسول الله حتى افحش في منطقة فهو كافر بنص التنزيل ولا يعذر بان مقصوده رد الخصم فان الرجل لايؤمن حتى يكون الله ورسوله احب اليه ممن سواهما وحتى يكون الرسول احب اليه من ولده ووالده والناس اجمعين "اهـ.
فائدة : في سب أبٍ هاشميّ وأنه[لا تباح عصمة الدم بالشكّ]:
قال رحمه الله تعالى:[مجموع الفتاوى24/136]:
" لكن إن سب مسلم أبا مسلم فإنه يعزر على ذلك فالهاشمي إذا سب أبا مسلم عزر الهاشمي على ذلك ومن سب أبا هاشمي عزر على ذلك ولا يجعل ذلك سبا للنبي ولو سب أباه وجده لم يحمل على النبي فإن اللفظ ليس ظاهرا في ذلك إذ الجد المطلق هو أبو الأب وإذا سمي العبد جدا فأجداده كثيرة فلا يتعين واحد وسب النبي كفر يوجب القتل فلا يزول الإيمان المتعين بالشك ولا يباح الدم المعصوم بالشك لا سيما والغالب من حال المسلم هو أن لا يقصد النبي فلا لفظه ولا حاله يقتضي ذلك ولا يقبل عليه قول من ادعى أنه قصد الرسول بلا حجة والله أعلم "اهـ.
الجواب عن شبهة لماذا لم يقتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذي الخويصرة:
قال رحمه الله [الصارم المسلول:231-232]:
" وقد روى عن ابي برزة الاسلمي قال اتى رسول الله بمالا فقسمه فاعطى من عن يمينه ومن عن شماله ولم يعط من وراءه شيئا فقام رجلا من ورائه فقال يا محمد ما عدلت في القسمة رجل اسود مطموم الشعر عليه ثوبان ابيضان فغضب رصول الله غضبا شديدا وقال والله لا تجدون بعدي رجلا هو اعدل مني ثم قال يخرج في اخر الزمان قوم كان هذا منهم يقرؤون القران لايجاوز تراقيهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق لايزالون يخرجون حتى يخرج اخرهم مع المسيح الدجال فاذا لقيتموهم فاقتلوهم هم شر الخلق والخليقة رواه النسائي، ومن هذا الباب ما خرجاه في الصحيحين عن ابي وائل عن عبد الله قال لما كان يوم حنين اثر رسول الله ناسا في القسمة فاعطى الاقرع بن حابس مئة من الابل واعطي عيينه بن حصن مثل ذلك واعطى ناسا من اشراف العرب واثرهم يومئذ في القسمة فقال: رجل والله ان هذه لقسمة ما عدل فيها او ما اريد بها وجه الله قال فقلت والله لاخبرن رسول الله قال فاتيته فاخبرته بما قال فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال فمن يعدل اذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال يرحم الله موسى قد اوذي باكثر من هذا فصبر قال فقلت لاجرم لا ارفع اليه بعدها حديثا وفي رواية للبخاري قال رجل من الانصار ما اريد بها وجه الله وذكر الواقدي ان المتكلم بهذا كان معتب بن قشير وهو معدود من المنافقين فهذا الكلام مما يوجب القتل بالاتفاق لانه جعل النبي ظالما مرائيا وقد صرح النبي بان هذا من اذى المرسلين ثم اقتدى في العفو عن ذلك بموسى عليه السلام ولم يستتب لان القول لم يثبت فانه لم يراجع القائل ولا تكلم في ذلك بشيء "اهـ
فبين رحمه الله انه اقتدى بسنة المرسلين في الصبر على الأذى :
فقال موضحا :[الصارم المسلول:234/235]:
" فهذا الباب كله مما يوجب القتل ويكون به الرجل كافرا منافقا حلال الدم كان النبي وغيره من الانبياء عليهم السلام يعفون ويصفحون عمن قاله امتثالا لقوله تعالى{ خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين} ولقوله تعالى {ادفع بالتي هي احسن السيئة وقوله ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم }ولقوله تعالى{ ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر} ولقوله تعالى{ ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع اذاهم} ذلك لان درجة الحلم والصبر على الاذى والعفو عن الظلم افضل اخلاق اهل الدنيا والاخرة يبلغ الرجل بها ما لا يبلغه بالصيام والقيام قال تعالى {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} وقال تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على الله }وقال تعالى{ ان تبدو خيرا او تخفوه او تعفوا عن سوء فان الله كان عفوا قديرا }وقال {وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} والاحاديث في هذا الباب كثيرة مشهورة ثم الانبياء احق الناس بهذه الدرجة لفضلهم واحوج الناس اليها لما ابتلوا به من دعوة الناس ومعالجتهم وتغيير ما كانوا عليه من العادات هو امر لم يات به احد الا عودي فالكلام الذي يؤذيهم يكفر به الرجل فيصير به محاربا ان كان ذا عهد ومرتدا او منافقا ان كان ممن يظهر الاسلام ولهم فيه ايضا حق الادمي فجعل الله لهم ان يعفوا عن مثل هذا النوع ووسع عليهم ذلك لما فيه من حق الادمي تغليبا لحق الادمي على حق الله كما جعل لمستحق القود وحد القذف ان يعفو عن القاتل والقاذف واولى لما في جواز عفو الانبياء ونحوهم من المصالح العظيمة المتعلقة بالنبي والامة وبالدين وهذا معنى قول عائشة رضي الله عنها {ما ضرب رسول الله بيده خادما له ولا امراة ولا دابه ولا شيئا قط الا ان يجاهد في سبيل الله ولا انتقم لنفسه قط وفي لفظ ما نيل منه شئ فانتقم من صاحبه الا ان تنتهك محارم الله فاذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبة شئ حتى ينتقم لله }متفق عليه ومعلوم ان النيل منه اعظم من انتهاك المحارم لكن لما دخل فيها حقه كان الامر اليه في العفو او الانتقام فكان يختار العفو وربما امر بالقتل اذا راى المصلحة في ذلك بخلاف ما لاحق له فيه من زنى او سرقة او ظلم لغيره فانه يجب عليه القيام به"اهـ
وعند كلامه عن حديث مسلم رحمه الله ،قال[الصارم المسلول:237]:
""ولما قال ذو الخويصرة اعدل فانك لم تعدل وعند غير هذه القضية انه انما لم يقتلهم لئلا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه فان الناس ينضرون الى ظاهر الامر فيرون واحدا من الصحابة قد قتل فيظن الظان انه يقتل بعض اصحابه على غرض او حقد او نحو ذلك فينفر الناس عن الدخول في الاسلام واذا كان من شريعته ان يتألف الناس على الاسلام بالاموال العظيمة ليقوم دين الله وتعلو كلمته فلان يتألفهم بالعفو اولى واحرى فلما انزل الله براءة ونهاه عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم وامره ان يجاهد الكفار والمنافقين ويغلظ عليهم نسخ جميع ما كان المنافقون يعاملون به من العفو كما نسخ ما كان الكفار يعاملون به من الكف عمن سالم ولم يبقى الا اقامة الحدود واعلاء كلمة الله في حق الانسان ""
ـ بين رحمه الله تعالى أنه كان ايضا تأليفا للقلوب ثم نسخ بنزول سورة براءة .
يتبع---