كتاب الإيمـان للإمام أبي عبيد القاسم ابن ســلاّم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الرسلين نبيّنا محمّد وآله وصحبه أجمعين :
أما بعدُ
رب وفق وأعن على الخير يسر لي الرشد وطريق الحق والصدق واهدنا لما اختلف فيه من الحق
ترجمة المصنّف رحمه الله تعالى من البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله تعالى:
أبو عبيد القاسم بن سلام
البغدادي، أحد أئمة اللغة، والفقه والحديث والقرآن، والأخبار وأيام الناس، له المصنفات المشهورة المنتشرة بين الناس، حتى يقال: إن الإمام أحمد كتب كتابه في الغريب بيده، ولما وقف عليه عبد الله بن طاهر رتب له في كل شهر خمسمائة درهم، وأجراها على ذريته من بعده.
وذكر ابن خلكان أن ابن طاهر استحسن كتابه وقال: ما ينبغي لعقل بعث صاحبه على تصنيف هذا الكتاب أن نحوج صاحبه إلى طلب المعاش.
وأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر.
وقال محمد بن وهب المسعودي: سمعت أبا عبيد، يقول: مكثت في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة.
وقال هلال بن المعلى الرقي: منَّ الله على المسلمين بهؤلاء الأربعة: الشافعي تفقه في الفقه والحديث، وأحمد بن حنبل في المحنة، ويحيى بن معين في نفي الكذب، وأبو عبيد في تفسير غريب الحديث، ولولا ذلك لاقتحم الناس المهالك.
وذكر ابن خلكان أن أبا عبيد ولي القضاء بطرسوس ثماني عشرة سنة، وذكر له من العبادة والاجتهاد في العبادة شيئا كثيرا.
وقد روى الغريب عن: أبي زيد الأنصاري، والأصمعي، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، وابن الأعرابي، والفراء، والكسائي، وغيرهم.
وقال إسحاق بن راهويه: نحن نحتاج إليه وهو لا يحتاج إلينا.
وقدم بغداد وسمع الناس منه ومن تصانيفه.
وقال إبراهيم الحربي: كان كأنه جبل نفخ فيه روح، يحسن كل شيء.
وقال أحمد بن كامل القاضي: كان أبو عبيد فاضلا ديِّنا ربانيا عالما متقنا في أصناف علوم أهل الإيمان والإتقان والإسلام: من القرآن، والفقه، والعربية، والأحاديث، حسن الرواية صحيح النقل، لا أعلم أحدا طعن عليه في شيء من علمه وكتبه، وله كتاب الأموال، وكتاب فضائل القرآن ومعانيه، وغير ذلك من الكتب المنتفع بها، رحمه الله.
توفي في هذه السنة قاله البخاري.
وقيل: في التي قبلها بمكة.
وقيل: بالمدينة.
وله سبع وستون سنة.
وقيل: جاوز السبعين، فالله أعلم.
*******
منهج الإمام ابي عبيد القاسم ابن سلام في كتابه [الإيمان...]
اسم هونقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي كتاب الإيمان , ومعالمه , وسننه , واستكماله, ودرجاته )
أما موضوع الكتاب , فهو واضح من اسمه , فهو يتناول قضية الإيمان التي هي أول المسائل التي اختلفت فيها الأمة من مسائل الأسماء والأحكام . وقد استوعب المؤلف – رحمه الله – هذا الموضوع في الجملة .
وسبب تأليف هذا الكتاب ذكره المصنف – رحمه الله – بقوله :" أما بعد , فإنك كنت تسألني عن الإيمان , واختلاف الأمة في استكماله , وزيادته , ونقصانه , وتذكر أنك أحببت معرفة ما عليه أهل السنة من ذلك , وما الحجة على من فارقهم فيه , فإن هذا رحمك الله خطب قد تكلم فيه السلف في صدر هذه الأمة وتابعيها ومن بعدهم إلى يومنا هذا , وقد كتبت إليك بما انتهى إليّ علمه من ذلك مشروحا ملخصاً , وبالله التوفيق "
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
منهجه فيــــــــه:
سلك المصنف "رحمه الله" في كتابه هذا مايسمى بالمنهج التحليلي ، فهو يعرف المسائل والدلائل ويبين مادلت عليه ووجه الدلاله ، ويرد على المخالف في ذلك .
ابتدأ المصنف يذكر الإختلاف في هذه القضية ، فقال نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي اعلم رحمك الله أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الأمر فرقتين : فقالت إحداهما: الإيمان بالأختلاف لله بالقلوب وشهادة الألسنة ، وعمل الجوارح.
وقالت الفرقة الأخرى : بل الإيمان بالقلوب والألسنة. فأما الأعمال فإنما هي تقوى وبر، وليست من الإيمان)
ولكنه لم يذكر إلا قول أهل السنة ، وقول مرجئة الفقهاء ، وأعرض عن بقية الأقوال في المسألة في بداية الكتاب ، ولعله ذكر ذلك لأسباب منها :
1. أنه رأى مرجئة الفقهاء أقرب الاقوال لقول أهل السنة ، فإذا استبان أنه غير صحيح ، فمن باب أولى الأقوال البعيدة عن قول أهل السنة .
2. أن يقال : أن مرجئة الفقهاء لمكانهم من الناس ، واستدلالهم بأي الكتاب ، كانت شبهتهم أقوى . فكانوا لابد أن يخصوا بالرد .
وغير ذلك مما يقال ، إلا أن المصنف "رحه الله" قد ذكر بقية الأقوال في نهاية الكتاب ، فقال : ( قال ابو عبيدة : ذكر الأصناف الخمسة الذين تركنا صفاتهم في صدر كتابنا هذا ، من تكلم به في الإيمان هم (الجهمية ، والمعتزلة ، والأباضية ، والصفرية ، والفضيلية) . . . ثم ساق أقوالهم في الإيمان .
ثم ذكر المصنف "رحمه الله" الأصل الذي يجب أن يرجع إليه عند الأختلاف ، وهو الكتاب والسنة ، فقالنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي(والأصل الذي هو حجتنا في ذلك إتباع ما نطق به القرآن ، فإن الله تعالى ذكره علواً كبيراً، قال في محكم كتابه فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا النساء 59
وقد قسم المصنف "رحمه الله" كتابه إلى أبواب : وجعل تحت كل باب ما يناسبه من آيات وأحاديث وآثار :
1. باب نعت الإيمان في استكمالة ودرجاته .
2. باب الأستثناء في الإيمان .
3. باب الزيادة في الإيمان والإنتقاص منه .
4. باب تسمية الإيمان بالقول دون العمل .
5. باب من جعل الإيمان المعرفة بالقلب وإن لم يكن عمل .
6. باب ذكر ماعابت به العلماء من جعل الإيمان قولاً بلا عمل ، ومانهوا عنه من مجالستهم .
7. باب الخروج من الإيمان بالمعاصي .
8. باب ذكر الذنوب التي تلحق بالكبائر بلا خروج من الإيمان .
ومن الأمور التي نذكر ايضاً في منهجه "رحمه الله"أنه يروي أحاديث كثيرة وآثاراً بإسناده ، وأحياناً يقدم المتن على السند ، وأحياناً أحرى يقدم السند على المتن ، كما أنه قد روى أحاديث وآثاراً كثيرة بغير إسناد .
مثال في تقديمه السند على المتن :
" قال ابو عبيد : حدثنا عبدالرحمن عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيأن اليهود قالوا لعمر بن الخطاب "رحمة الله عليه" : غنكم تقرأون آية لو نزلت فينا لتخذنا ذلك اليوم عيداً ، فذكر هذه الآية (آية المائده3)، فقال عمر : إني لأعلم حيث أُنزلت وأي يوم أُنزلت ، أُنزلت بعرفة ، ورسول الله واقفٌ بعرفة). قال سفيان : وأشك أقال يوم الجمعة أم لا. "
مثال في تقديمه المتن على السند :
" ومن الخمس ، حديث إبن عمر أنه سمع رسول الله يقول نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيبني ألأسلام على خمس : شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمد رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ) . قال ابو عبيد : حدثنا اسحاق بن سليمان الرازي عن حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمه بن خالد عن أبي عمر عن النبي بذلك".
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
ملاحظات عامة :
من الأمور التي قد تلاحظ على المصنف "رحمه الله"ذكر زيادة الإيمان ولم يذكر نقصانه بشرح أو أدلة أو تعليق ، مع أنه قرنها في التبويب حيث قال : باب الزيادة في الإيمان والإنتقاص منه .
والله تعالى أعلم ...
قال المصنف رحمه الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله
1- باب نعت الإيمان في استكماله ودرجاته
أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن معروف أعْني ابن أبي نصر في داره بدمشق في صفر سنة عشرين وأربع مائة، قال: حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أحمد بن يحيى العسكري ( صاحب [أبي]عبيد القاسم ابن سلام ) هذه الرسالة وأنا أسمع: قال أبو عبيد:
أما بعد، فانك كنت تسألني عن الإيمان، واختلاف الأمة في استكماله وزيادته ونقصه، وتذكر انك أحببت معرفة ما عليه أهل السنة من ذلك، وما الحجة على من فارقهم فيه، فإن هذا رحمك الله خطب قد تكلم فيه السلف في صدر هذه الأمة وتابعيها ومن بعدهم إلى يومنا هذا، وقد كتبت إليك بما انتهى إلي علمه من ذلك مشروحا مخلصا. وبالله التوفيق.
اعلم رحمك الله أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الأمر فرقتين: فقالت إحداهما: الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب وشهادة الألسنة وعمل الجوارح: وقالت الفرقة الأخرى بل الإيمان بالقلوب والألسنة، فأما الأعمال 2 /2 فإنما هي تقوى وبر، وليس من الإيمان.
* التعليق :
قوله رحمه الله:[ فانك كنت تسألني عن الإيمان، واختلاف الأمة في استكماله وزيادته ونقصه، وتذكر انك أحببت معرفة ما عليه أهل السنة من ذلك، ]
فيه أن السلف كانوا يرجعون إلى علمائهم في هذه المسائل الدقيقة ،وفيه بيان أن الأمة اختلفت فيه من حيث استكماله وزيادته ونقصه ،وفيه ان صاحب الإمام ابي عبيد طلب عقيدة السلف الصالح [أهل السنّة].
قوله رحمه الله تعالى:[ وما الحجة على من فارقهم فيه، ]
فيه أن اهل السنة يسألون عن الحكم ودليله وحجته ..لا يقلدون دينهم الرجال .
قوله رحمه الله تعالى:[ فإن هذا رحمك الله خطب قد تكلم فيه السلف في صدر هذه الأمة وتابعيها ومن بعدهم إلى يومنا هذا، ]
فيه بيان أن السلف ردّوا على المنحرفين في هذا الباب العظيم ،وبهذا تعلم سبب جعل البخاري رحمه الله باب الإيمان بعد باب بدء الوحي ..
فالسلف وقفوا رحمهم الله في وجه القدرية والمرجئة والخوارج والروافض واهل البدع قاطبة ينفون عن دين الله التحريف والتزييف وانتحال المبطلين وتزويرهم وتأويل الجاهلين .
ومنه هذا الباب الذي ضل فيه طوائف كالمرجئة والخوارج والمعتزلة وأضرابهم .
وسيأتي بعون الله مذاهبهم الباطلة وحجج اهل الحق اهل السنة عليهم ..
قوله رحمه الله تعالى :[وقد كتبت إليك بما انتهى إلي علمه من ذلك مشروحا مخلصا. وبالله التوفيق.
]
فيه أدب مع الله واختقار النفس وهضم حظّها وفيه أن العالم او طالب العلم لا يكتب إلا ما يظنّه حقا بدلائله وحججه وبراهينه من الكتاب والسنة والأثر
قال رحمه الله تعالى:[اعلم رحمك الله أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الأمر فرقتين: فقالت إحداهما: الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب وشهادة الألسنة وعمل الجوارح: وقالت الفرقة الأخرى بل الإيمان بالقلوب والألسنة، فأما الأعمال 2 /2 فإنما هي تقوى وبر، وليس من الإيمان. ]
قوله رحمه الله تعالى [ أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الأمر فرقتين]
أشار رحمه الله تعالى إلى افتراق أهل العلم والعناية بالدين في هاته المسألة [زيادة واستكمال ونقصان الإيمان] إلى فرقتين ..
وقد يسأل سائل فيقول:{هل من خالف اهل السنة فيمن عنى الشيخ من أهل السنة ؟} ومن يقصد الشيخ رحمه الله تعالى وهذا ما نفصل القول فيه بإذن الله في المجلس الثاني إن شاء الله تعالى .