[فقالت إحداهما : الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب ، وشهادة الألسنة ، وعمل الجوارح].
ـ الشرح ـ
هذا معتقدُ أهل السنة في الإيمان كابرا عن كابر،تعضُده الأدلة من الكتاب والسنة،كما سيأتي عن المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما يسوقُه من الأدلة الواردة في هذا الباب.
.[وقالت الفرقة الأخرى : بل الإيمان بالقلوب والألسنة ، فأما الأعمال فإنما هي تقوى وبر ، وليست من الإيمان]
ـ الشـــــــــــــرح ـ
ـ هـذا القول مخالفٌ للحقّ والصواب ـ وهو قول مرجئة الفقهاء ـ وقد وقع في هذا المُعتقد ـ أجلة من الفقهاء ـ وقد خطّأهم علماؤنـا وحفظوا مكانتهم في العلم وتأمّل قول الإمام أبي عبيد رحمه الله تعالى واصفا كلا الفرقتين بـ]أهل العناية بالدين ] ،وهذا مما ينبغي أن يسير عليه طلبة العلم الشرعيّ خاصة والنّاس عامّة؛ألا وهو بيان الخطأ مع حفظ أقدار العلماء و الثناء عليهم وتوقيرهم ـ وعدم الأخذ بما خالفو فيه الحق والصواب ،فكلٌ يؤخذ من قوله ويترك ومن ذا يسلم من الخطأ؟ ..
نقول هذا لأننا رأينا في زماننا هذا من يطعن بأبي حنيفة رحمه الله وابن أبي العز الحنفي وأمثالهما والله المستعان .
[وإنا نظرنا في اختلاف الطائفتين ، فوجدنا الكتاب والسنة يصدقان الطائفة التي جعلت الإيمان بالنية والقول والعمل جميعا ، وينفيان ما قالت الأخرى]
ــ الشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــرح ــ
ـ أولا :
ينبغي أن يعلم أن الخلاف بين أهل السنة والمرجئة ـ خلاف حقيقيّ لا لفظيّ ـ خلافا لمن قال لفظي وهذا لما يترتب على قول مرجئة الفقهاء من فساد في الإعتقاد ،فالعمل ركن وأصل في الإيمــان وجزء منه.. تدل عليه نصوص الكتاب والسنة .
ـ ثانيا:
ينبغي كذلك أن يُعلم أن الخلاف بين أهل السنة والمرجئة على ثلاث مسائل وقد جمعها سفيان الثوري رحمه الله في قوله<<خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث:
يقولون:الإيمان قول ،لا عمل،ونقول قول وعمل.
ونقول:يزيدُ وينقص ،وهم يقولون:إنه لا يزيد ولا ينقص
ونحن نقول النفاق وهم يقولون لا نفاق!>>[صفة المنافق ص75؛بواسطة كتاب التعريف..]
ثالثا:
وينبغي ان يعلم أيضا أن أبا حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ مع كونه يقول أن الأعمال ليست من الإيمان فإنه مع ذلك مخالفٌ للمرجئة في أصل قولهم وقد بين ذلك الإمام المعلمي اليماني ـ رحمه الله ـ في ردّه على الكوثري الضال كما في كتاب القائد إلى تصحيح العقائد فانظره فهو نافع جدّا..
ومع هذا فقد بين علماؤنا رحمهم الله تعالى خطأ قول الأحناف هذا ومنهم محدث العصر محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في شرح الطحاوية:
قال رحمه الله:
<< هذا مذهب الحنفية والماتريدية خلافا للسلف وجماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم فإن هؤلاء زادوا على الإقرار والتصديق : العمل بالأركان . وليس الخلاف بين المذهبين اختلافا صوريا كما ذهب إليه الشارح رحمه الله تعالى بحجة أنهم جميعا اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان وأنه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه . فإن هذا الاتفاق وإن كان صحيحا فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفة حقيقية في إنكارهم أن العمل من الإيمان لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص وأن زيادته ونقصه بالمعصية مع تضافر أدلة الكتاب والسنة والآثار السلفيةعلى ذلك وقد ذكر الشارح طائفة طيبة منها ( ص 384 - 387 ) [ 342 - 344 ] ولكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة والنقصان وتكلفوا في تأويلها تكلفا ظاهرا بل باطلا ذكر الشارح ( ص 385 ) [ 342 ] نموذجا منها بل حكى عن أبي المعين النسفي أنه طعن في صحة الحديث " الإيمان بضع وسبعون شعبة . . . " مع احتجاج كل أئمة الحديث به ومنهم البخاري ومسلم في ( صحيحيهما ) وهو مخرج في " الصحيحة " ( 1769 ) وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم
ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صوريا . وهم يجيزون لأفجر واحد منهم أن يقول : إيماني كإيمان أبي بكر الصديق بل كإيمان الأنبياء والمرسلين وجبريل وميكائيل علهم الصلاة والسلام كيف وهم بناء على مذهبهم هذا لا يجيزون لأحدهم - مهما كان فاسقا فاجرا - أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى بل يقول : أنا مؤمن حقا والله عز وجل يقول : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون . الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . أولئك هم المؤمنون حقا ) [ سورة الأنفال : 2 - 4 ] ( ومن أصدق من الله قيلا ) [ سورة النساء : 22 ] وبناء على ذلك كله اشتطوا في تعصبهم فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر وفرعوا عليه أنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالمرأة الشافعية وتسامح بعضهم - زعموا - فأجاز ذلك دون العكس وعلل ذلك بقوله : تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب وأعرف شخصا من شيوخ الحنفية خطب ابنته رجل من شيوخ الشافعية فأبى قائلا : . . . لو لا أنك شافعي فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي ؟ ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية : " الإيمان " فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع . >>
وقد رجح الإمام ابن باز رحمه الله تعالى كذلك أن الخلاف حقيقي كما في تعليقه على الطحاوية .
[والأصل الذي هو حجتنا في ذلك اتباع ما نطق به القرآن ، فإن الله تعالى ذكره علوا كبيرا قال في محكم كتابه : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}]
ـ الشــــــــــــــــــرح ـ
نعم هذا أصل عظيم ،وهو اتباع ما جاء في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وآثار السلف الكرام.
ومسائل الاعتقاد لا يُرجع فيها إلى العقول والآراء الفاسدة الباطلة ومثلها أيضا جميع أمور الدين ،قال ابن القيم رحمه الله :
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبَك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها حذرا والتعطيل والتشبيه.
[وإنا رددنا الأمر إلى ما ابتعث الله عليه رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل به كتابه ، فوجدناه قد جعل بدء الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة عشر سنين ، أو بضع عشر سنة ، يدعو إلى هذه الشهادة خاصة ، وليس الإيمان المفترض على العباد يومئذ سواها ، فمن أجاب إليها كان مؤمنا ، لا يلزمه اسم في الدين غيره ، وليس يجب عليهم زكاة ، ولا صيام ، ولا غير ذلك من شرائع الدين]
ـ الشــــــــــــــــــــــرح ـ
كان هذا في أول الأمر فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله كما جاء في الحديث عن طارق المحاربي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في سوق ذي المجاز وعليه حلة حمراء وهو يقول:{ يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا}.......