مباحث مختصرة في علوم القرآن المجلس الثاني

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مصل له ومن يضلل فلا هادي له

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي ممد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار


أول ما نزل من القرآن

اشتغل العلماء عليهم رحمة الله خدمة القرآن الكريم بمعرفة أو ما نزل وآخر ما نزل كل ذلك عناية منهم بالقرآن وسهرا على خدمته ومن فوائد معرفة ذلك معرة الناسخ من المنسوخ عند تعارض ظواهر الآي وعدم إمكان الترجيح وكذلك معرفة تاريخ التشريح الذي تظهر منه حكمة الإسلام في اخذ الناس بالرفق والحكمة

فأوّل ما نزل من القرآن على وجه الإطلاق قطعا الآيات الخمس الأولى من سورة العلق, وهي قوله تعلى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وأخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل وصححاه عن عائشة قالت: أول سورة نزلت من القرآن (اقرأ باسم ربك)

قال النووي رحمه الله في تعليقه على حديث عائشة: هذا دليل صريح في أن أول ما نزل من القرآن قوله تعالى: { اقرأ } وهذا هو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف

وأما ما روي في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه ا ناول ما نزلل قوله تعالى (يأيها المدثر قم فأنذر) فقد بين العلماء رحمهم الله أن جابرا رضي الله عنه أن جابراً لما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم القصة الأخيرة ولم يسمع أولها، فتوهم أن سورة المدثر أول ما نزل وليس كذلك. وإنما كان هذا بعد فتور الوحي فيحمل على أولوية نسبية

ثم تتابع القرآن ينزل على الرسول عليه الصلاة والسلام طيلة مدة رسالته يشرع الشرائع ويوضح الأحداث ويجيب على الأسئلة حتى كان آخر ما نزل من القرآن على اظهر الأقوال قوله تعالى وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281))وقلنا أظهر لأن أخر ما أنزل لم يأت فيه شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يجزم فيه وإنما هي أثار عن الصحابة رضي اله عنهم لذلك نجد الاختلاف في أخر ما انزل أوسع من الاختلاف في أول ما أنزل حتى أوصل بعضهم الأقوال إلى عشرة أقوال

وكان نزول القرآن على النبي صلى اله عليه وسلم بطريقتين نزول سببي وآخر ابتدائي

القسم الأول: ابتدائي وهو ما لم يتقدم نزوله سبب يقتضيه, وهو غالب آيات القرآن

القسم الثاني : سببي وهو ما تقدم نزوله سبب من الأسباب من سال يجيب الله عنه أو حادثة وقعت تحتاج إلى بيان وتحذير أو وقوع فعل او حدث يحتاج إلى حكم

ومعرفة هذه الأسباب مهم جدا وخاصة في فهم القرآن ولذلك اعتنى العلماء بالتأليف في أسباب النزول ولذلك يحرص المفسرون على ذكر سبب نزول الآية عند تفسيرها ولعلنا نوجز بعض الفوائد

فوائد معرفة أسباب النزول

-بيان أن ما القرآن نزل من اله جل وعلا, وذلك أن النبي صلى الله عليه وسم كان يسال عن الشيء فيتوقف عن الإجابة عنه أحيانا , حتى ينزل الوحي

مثال ذلك قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85))جاء في سبب النزل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بناس من اليهود ، فقالوا : سَلُوهُ عن الروح؟ فقال بعضهم : لا تسألوه ، فيستقبلكُم بما تكرهون . فأتاه نفر منهم ، فقالوا : يا أبا القاسم : ما تقول في الروح؟ فسكت ، ونزلت هذه الآية ، قاله ابن مسعود أو يخفى عليه الأمر الواقع فينزل الوحي مبيّنا ذلك كما في وله تعالى : َيقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) فانه قالها المنافقون ولم يعلم النبي بذلك بل صدقهم لما حلفوا ثم نزل القرآن بتكذيبهم كما في الصحيحين

-بيان عناية الله سبحانه وتعالى برسوله في الدفاع عنه كما ي قصة الإفك حيث نزل القرآن ببراءة أم الممنين عائشة رضي الله عنها وفيه دفاع عن عرضه صلى الله عليه وسلم ومثاله قوله تعالى:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا

-الاستعانة على فهم الآية ودفع الإشكال عنها مثال ذلك وله تعالى : (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) )فقد أشكل معناها على مروان بن الحكم فقال : لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون حتى بين له ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه عن غيره, ورأوا أنهم أخبروه بما سألهم عنه , واستحمدوا بذلك إليه أي طلبوا أن يمدهم على ما فعلوا .

وأمثلة هذا كثير

ولا بد من التنبيه انه لا ري لمعرفة سبب النزول غلا النقل الصحيح من الموقوف او المرفوع

عموم اللفظ وخصوص السبب

إذا نزلت أية لسبب خاص , ولفظها عام كان الحكم شاملا لسببها ولكل ما يتناوله الفظ لأن القرآن نزل للتشريع العام فلا يخصص عمومها بسبب النزول وإنما يستفاد من سبب النزول في فهمها ولذاك قرر العلماء أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ومثل هذا آيات اللعان

يتبع